الجمعة، 12 نوفمبر 2010

أدب الرعب في العالم العربي 3


نعود في مقالتنا الثالثة لمناقشة وعرض تصنيفات الرعب التي بدأتها في المقالة السابقة:
(الرعب التاريخي) أطلقت هذا المصطلح على قصص الرعب التي تقوم على مبدأ تاريخي كقلعة حدثت بها مذبحة حقيقية أو مخطوط قديم يدور حوله جدال مرعب، ولكن الرعب التاريخي يجب أن يحمل جزء من الحقيقة أو الحقيقة الكاملة أو معلومات تاريخية موثقة، فهو رعب خادع تختلط فيه الحقائق بالخيال ويترك للقارئ التمتع بهذا الخليط، ومثال على ذلك رواية (مخطوطة بن إسحاق) التي استخدم فيها الرعب التاريخي بشكل مستفيض مع إضفاء لمسات من الخيال عليه لجعل مخطوط قديم هو محور الأحداث بما يحويه من كلمات تتعلق بالجان وبقرية مصرية قديمة غير مسجلة في السجلات الحكومية أبيدت على أخرها. الفكرة هنا تاريخية تحمل حقائق تختلط بالخيال.
(الرعب الفلسفي) وهذا المصطلح ربما يكون غريب لاجتماع الرعب بالفلسفة ولكن الخوف من شيء ما غريزة كغريزة البحث عن الحقيقة في الفلسفة، والفلسفة بدون تحيز أكثر الأنماط التي تمتلئ بالرعب في رأيي من كثرة المواضيع التي تبحثها بأكثر من منظور وبأكثر من طريقة في بعض الأحيان تفضي إلى نتائج مذهلة تقشعر لها الأبدان، فالبحث عن الله هو أكثر أنماط البحث رعباً لو تم تناوله مثلاً بطريقة روائية احترافية، وكمثال على ذلك هناك رواية (ن=ف) التي يصلح الرعب الفلسفي نوعاً لها فهي تغوص بين العلم والفلسفة في اكتشاف أصل الموت وهل يمكن السيطرة عليه فيمكن للإنسان أن يعيش مدى الحياة، هل هناك من استطاعوا فعل هذا؟ يمكنك أن تسأل نفسك ألف سؤال وأنت تقرأ الرواية، وتخاف من المجهول ألف مرة وتتوقع لها ألف رواية، ولكنك دائماً ما تصدم بالحقيقة، وللقصص الفلسفية المغلفة بالرعب أمثلة قليلة جداً فهي منطقة بكر يخاف الكثيريين الخوض فيها.
(الرعب العلمي) ويخلط البعض هنا بينه وبين الخيال العلمي وإن كنت أعترف أن هناك خيط مشترك بين الاثنان فالخيال العلمي يستند لنظرية علمية بفرض صحتها ثم يبني عليها أحداثاُ خيالية ونتائج علمية وتدور الدراما في هذا النمط، أما الرعب العلمي فهو لا يعتمد على نتائج علمية من الفكرة العلمية التي يبدأ بها ولكنه يترك الجزء العلمي ليغوص في الجزء الخاص بالخوف والرعب فهناك روايات صدرت في العالم الغربي تتكلم عن خاطفي الأجساد والاستحواذ ولو كان الاستحواذ من الفضاء فسيصنف رعب علمي لأنه بدأ من فرضية علمية وهو السيطرة على الخلايا العصبية عن طريق مصدر من خارج الأرض، أما بقية الرواية والمواجهة لو تمت بشكل علمي فيصنف خيال علمي.
(رعب القدرات) أيضاً تقع القدرات النفسية والمادية للإنسان بين منطقة الرعب والخيال العلمي ولكنها أقرب للرعب منها للخيال العلمي لأن تلك القدرات الجزء الأكبر منه لا يتبع نظرية علمية واحدة ولا يمكن الجزم فهناك مئات النظريات العلمية التي تحلل القدرة الواحدة فالتحريك عن بعد لها الكثير من النظريات التي تقول أنها تخص الهالة المحيطة بالجسد أو العقل أو الصدمات أو التدريب والكثير والكثير فلذلك تقترب أكثر القدرات من عالم الرعب ويمكن تناولها بشكل أثرى في ذلك العالم، والأجمل في رعب القدرات أن المساحة مفتوحة فيه إلى حدود ضخمة _مع التركيز على احترام القارئ_ فهناك التحريك عن بعد وقراءة الأفكار وتحريك النيران وإشعالها والقوة الجسدية وخروج الكهرباء من الجسد وهناك قدرات يمكن اختراعها مع صعوبة اختراعها بالطبع كقدرة شخص على الاكثار من الماء بمجرد لمسه وهي قدرة ليست موجودة بل من اختراع خيالي، ولكن يمكن استخدامها في عمل درامي مغلف بالرعب، مع الحرص على أن تلك النوعية من الرعب يجب أن تكتب بشكل احترافي لأن القارئ العربي لم يتعود على تقبل فكرة أن هناك أصحاب قدرات غريبة يعيشون بيه سوى المتدينين والسحرة.
(رعب العالم الآخر) تندرج تحت تلك النوعية المقابر والأموات والاستيقاظ من الموت والمقابر المفتوحة وإن كانت تختلف الأفكار من شعب لآخر بسبب ومن دين لآخر ففي المسيحية يستخدم التابوت للدفن وفي الإسلام يتم الدفن في التراب لذلك كان التناول مختلفاً، وتلك النوعية شائكة جداً بالنسبة لليهودية والمسيحية والإسلام، فالعالم الآخر الذي هو الموت له قدسية في الأديان السماوية وعليه اختلاف في الأديان الوضعية، وهذه هي المشكلة، فالتناسخ هي فكرة من دين وضعي تخالف الأديان، وإذا تناولها كاتب عربي سيظل يحمل انتقاداً دينياً حتى وإن كانت الشخصيات خيالية، ولذلك ظلت تلك النوعية صعبة التناول عند العرب لأن الخوض في مسألة العالم الآخر يعرض صاحبه للاتهام بالهرطقة أو الكفر، مع ملاحظة أنني في هذا النوع لا أقصد الأرواح لأنني سأكتبه في النوع القادم.
(رعب الروح) من المناطق الشائكة أيضاً ولكن يسهل تناولها في بعض الأعمال لأن هناك قدرات للروح بعد الوفاة باعتراف الديانات السماوية والوضعية وتلك القدرات نعرف بعضها ويظل البعض الآخر مغلق، وتشتمل القائمة على الأشباح والأرواح التي تسير هائمة أو تسكن المنازل والمباني، وإن اعتقد بعض الكتاب أن أسهل نوع في التناول أثناء كتابة قصة الرعب هو هذا النوع فهم واهمين لأن مئات الكتاب استخدموا هذا النوع واستهلكوه فأصبح على كاتب يكتب عن قصة تتعلق بالأرواح أن يكون دقيقاً ومجدداً ومتميزاً في نفس الوقت، ومن أمثلة الكتاب المصريين الذين تكلموا عن الأرواح د / أحمد خالد توفيق في قصص سلسلة ما وراء الطبيعة .



  حسن الجندي

السبت، 18 سبتمبر 2010

أدب الرعب في العالم العربي 2


بسم الله الرحمن الرحيم

نعود لمناقشة الرعب من جديد ولنعلم أن كلمة رعب لها أكثر من معنى، يبدأ من وصف الشخص نفسه أنه (مرعوب من الامتحان) إلى (مرعوب من الزواج) إلى (مرعوب من والده) أي أن الرعب في ذهن الانسان الطبيعي هو حالة لحظية تتملكه عند التفكير في موقف سيمر به أو عند مرور الموقف به أو عند تذكره لموقف مر به، وفي نفس الوقت يمكنكم قياس قياس ذلك على موقف يتخيل أنه سيمر به أو موقف يتخيل أنه يمر به الآن أو موقف يتذكره من خياله على أنه مر به، والمرور هنا لا يستوجب مرور الشخص نفسه بل من الممكن أن يكون أحد أحباءه أو أقرباءه أو أحد أعداءه أو حتى شخص لا يعرفه، إذن نستخلص من ذلك أن الرعب كلمة مطاطة تطور مع تطور الزمن فلا يمكنك في عام 1850 قبل الميلاد أن تخاف من كرسي الإعدام الكهربي، حيث أننا من الممكن أن ندخل كرسي الإعدام الكهربي الحديث المستخدم في الدول الأوربية من جملة كلمة رعب ولا يعنينا الآن إن كان يصلح للعالم العربي أم لا لكن نتكلم عن أنه دخل حديثاً لمفهوم الرعب، كذلك دخل الهاتف المحمول والهاتف العادي لجملة الرعب وتم استخدامهم في كثير من الروايات والأفلام على الرغم أنه من قرون لن يمكنك مقابلة شخص طبيعي يخاف من قطعة من الحديد التي هي الهاتف، ولكن هناك أساسيات يخاف منها الإنسان بفطرته تشترك في جميع الثقافات والأزمنة منذ بدء الميلاد إلى نهاية الأرض مثل الخوف من (الدماء – الأموات – القبور – الدين – الجوع – الألم – الظلام) وغيرها من أساسيات يشترك فيها الجميع.
ومقالة اليوم أعتقد أننا يجب أن ندرس فيها كلمة رعب، فالبعض يقول أن الرعب هو الأشباح أو القبور أو العفاريت وما غيرها يصنف تصنيفات أخرى وهو ما لا أعتقد بصحته، وأنا أتكلم هنا عن الأدب لا عن السينما، فمشكلة أدب الرعب في مصر أنه وليد وقد قامت ولادته المتعسرة على مدى أربعون عاماً انتهت بالأديب الطبيب د/أحمد خالد توفيق ليقول لنا بارتياح (لقد تمت الولادة على خير) وبعد أن تمت الولادة أصبحت الساحة الأدبية تطلب كتاب يتحملون تربية هذا الوليد الصغير، وسنتكلم لاحقاً عن الكتاب الشباب الذين ساهموا في تربية أدب الرعب ليتعلم مفرداتنا العربية بعد أن كان مسخاً للأدب الغربي، ولكن نكمل الآن مشكلة تصنيف خانة الرعب.
ظل تصنيف الرعب فترة كبيرة من الزمان تصنيفاً واهياً فتجد من يقول عنه أنه (فانتازيا) وآخر يقول لك (خيال علمي) وآخر (إثارة) وآخر (غموض) ويهمل الجميع تسمية الرعب لأن النقاد يعتبرونه نوعية أقل شأناً بين التصنيفات ويصنفونه أنه أساطير وخرافات وبالتالي لا أحد يهتم به على الساحة الأدبية، عندما بدأت الكتابة في هذا المجال واجهتني مشكلة التصنيف، يخشى الجميع اطلاق لقب رعب على أي عمل وفي حين آخر يطلقون كلمة رعب على بعض الأعمال العادية فأصبح القاريء متخبط في تحديد نوعية أدب الرعب في مصر ليظهر قراء يكرهون هذا الرعب في مصر بعدما اشتروا الكتاب الفلاني وأخذوا مقلباً معتقدين أنه من أدب الرعب مثلما أشيع عنه واكتشفوا أنه من أدب الرحلات أو أدب الحركة أو الجاسوسية أو الأدب الاجتماعي، وبالتالي أخذوا فكرة سيئة عن بقية الأدباء في الوطن العربي.
فقمت بتصنيف الرعب إلى مجموعة من الأنواع والأنواع تختلف عن مدارس الكتابة فمن الممكن أن يكون نوع الرعب واحد ولكن المدارس مختلفة في الكتابة، والأنواع التي صنفتها وأعمل بها هي:
(رعب نفسي) وهو الذي يعتمد على مشكلة الأبطال النفسية وتحولاتهم من حال إلى حال مع وجود نوع من الخوف الذي يخاطب داخل الإنسان مثل الخوف من الظلام أو الوحدة أو الخوف من الدماء، وكانت مشكلة من اصطدموا بإحدى رواياتي التي دارات في الرعب النفسي أنهم قالوا لم نشعر برعب وهذه فكرة خاطئة عن الرعب لأن الرعب النفسي ببساطة لن يجعلك تقفز من مقعدك وأنت تصرخ من الفزع لأنه أدب أي يعتمد على خيال القارئ وليس فيلماً سينمائياً، ولكن دعوني أعطي مثالاً على الرعب النفسي، قصة كتبتها عن طالب في المرحلة الثانوية يخاف من مادة الرياضيات ودائماً ما يسمع جميع أصدقاءه ومدرسه في الدرس الخاص الذي يتلقاه يقللون من شأنه، وبعد مرور أربعة أشهر وهو كل يوم يفكر في شعوره بالمهانة من أصدقاءه السبعة في الدرس الخاص ومدرسه الذي يتعمد إهانته أمامهم، بعد الأربعة أشهر يعلن المدرس عن امتحان تحريري لاختبار القدارات بعد أيام، في تلك الأيام في انتظار الامتحان يخاف الطالب، ويتحول الخوف داخله إلى شعور بالغضب من زملائه ويتخيل عندما يرسب في إمتحانه، فيصمم على قتل جميع زملائه في الدرس الخاص ومعهم مدرسه ليهرب من هذا الامتحان، ويبدأ التخطيط والتنفيذ بكل برود حتى يقابل مفاجأة.
المثال السابق عن قصة كتبتها ولم أجد لها تصنيف فهي ليست عن عالم خيالي لأقول أنها (فانتازيا) وليست (اجتماعية) لان الاهتمام في القصة يدور حول عقل الطالب وليست حياته الاجتماعية لأنها هامشية، وبالطبع هي ليست (إثارة) لأن التحول الذي يحدث في عقل الطالب تقاربه أنت ببطء كأنه يحدث لك، لم يبق لي إلا التحولات النفسية ومنها سميت هذا النوع بالرعب النفسي وهو مرعب في فكرة أن تكون أنت مكان البطل فتشعر بغضبه وخوفه.
(رعب ديني) سميت هذا المصطلح لنوعية خاصة من الكتابات اعتمدت على الرموز الدينية سواء في الاسلام أو المسيحية أو اليهودية أو الزاردشتية أو البوذية، فمثلاً الكاتب (علاء محمود) له قصة تسمى (حدث ليلاً) استخدم فيها الرمز الديني الذي خاف البعض أن يستخدمه كي لا يخصص برغم أن الرموز الدينية مستخدمة في الأفلام الأوربية مثل أسطور أن مصاص الدماء يخاف من الصليب أو الماء المقدس، ومثل استخدام صفحات من التوراة لمواجهة وحش ما في الفكر الأوربي، والرموز الدينية تختلف من الشيخ إلى القس إلى الحاخام إلى القرآن إلى الانجيل إلى التوراة إلى الكثير والكثير من الرموز الدينية، وهذا النوع يخاف الجميع من الكتابة فيه.
وأكتفي بهذه الأنواع الآن وأعود في المقالة القادمة لأعرض بقية أنواع أدب الرعب.
يتبع ..
حسن الجندي 

أدب الرعب في العالم العربي 1


بسم الله الرحمن الرحيم

لتفهموا ما أريد قوله يجب عليكم الاستماع تلك الحكاية ، حكت لي والدتي حكاية عن فيلم المنزل رقم 13 بطولة عماد حمدي ومحمود المليجي ، في أول عام 1971 كانت والدتي تجلس لتشاهد مع أفراد عائلتها في سهرة التلفزيون المصري _ عند الساعة الثامنة _ الفيلم المصري (المنزل رقم 13) ، كانت تروي لي والدتي أنها كانت ترتعد هي وشقيقاتها من هذا الفيلم المقبض ، ربما لأنه من المصادفة أن الفيلم يدور عن جريمة قتل في منزل يحمل رقم 13 في الطابق الثالث ، ومنزل عائلة والدتي كان ومازال يحمل رقم 13 وشقتهم كانت في الطابق الثالث !!! مصادفة مرعبة لهم ، لحظات من الترقب والتفكير والتخيلات حتى ينتهي الفيلم .. لقد دب الرعب في قلبها من هذا الفيلم .. هل فكر أحد ماذا أعني بالمثال السابق وما علاقته بأدب الرعب ؟ إن المثال السابق يعني أن الانسان هو من يصنع الرعب لنفسه لا الشيء الذي يراه أو يسمعه ، لقد صنع هذا الفيلم في عقل والدتي فكرة مرعبة عن القاتل الذي ربما يزورهم في شقتهم .
ليس الكاتب أو المؤلف هو من يزرع الرعب في عقل القارئ ، بل القارئ هو من يزرع الرعب داخله من خلال وضع نفسه مكان أحد أبطال العمل ويتخيل ما يمكن أن يحدث له أو لأسرته أو تعيد عليه ذكرى قديمة مر بها أو رأى من مر بها ، ولكن هل يكفي أن يكتب الكاتب عن القتل أو الدماء أو الأشباح أو المتحولين ليصنف ما كتبه تحت خانة أدب الرعب؟
لو كان الحال هكذا فيمكنني أن أتكلم معك عن فتاة قابلت شبحاً في طريق عودتها لمنزلها ثم قتلها .. وكفى ، أو أقول لك أن هذا المنزل يقطن به قاتل يذبح الناس ويأكلهم .. بلا سبب ولا هدف ، تلك النوعية لا ترتقي إلى أدب الرعب بأي حال من الأحوال وأنا أتكلم عن الأدب الآن لا عن الأفلام أو السيناريو ، وأتكلم عن الأدب لأن أدب الرعب هو ما تحول فيما بعد لعشرات الأفلام ، والأدباء الذين تكلموا في الغوامض اقتبست أفكارهم فيما بعض في عشرات الأفلام كماري شيلي مؤلفة رواية (فرانكنشتاين) التي أوحت بعشرات الأفلام لصناع السينما في العالم كله عن الوحوش التي تخرج عن ارادة صانعها وتنتقم منه ، وريتشارد ماثيون الكاتب المشهور نجد إحدى رواياته (أنا الأسطورة) التي أوحت للمخرجين بفكرة الموتى الأحياء وطبقت أيضاً في عشرات الأفلام ثم تحولت الرواية نفسها لفيلم ناجح مرتين منهم مرة عام 2007 ، والأمثلة ضخمة وكثيرة لا يسعنا المجال لذكرها ، لذا سأبد من هنا بالتحدث عن أدب الرعب .
يبتع ...  
حسن الجندي